لطالما اكتفى المسؤولون الإيرانيون عند حديثهم عن الشأن اللبناني بالإشارة إلى أنّ الجمهورية الإسلامية تحرص على الوضع الداخلي اللبناني واستقراره وعلى كلّ ما يتفق عليه اللبنانيون في الاستحقاقات كافة، على قاعدة أنّ هذا البلد لا يجب أن يكون ساحة لتلاعب الدول الأخرى.
تعاونت طهران والرياض وتمكّنتا، بحسب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من وقف عرقلة عملية الانتخابات الرئاسية التي أوصلت العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة في تشرين الأول 2016 .
ليس لبنان جزيرة منعزلة عن أحداث الإقليم. التطوّرات في سورية والمنطقة ومفاوضات الجنوب السوري مع ارتفاع وتيرة التصعيد الأميركي – الإسرائيلي للمطالبة بانسحاب القوات الإيرانية وحلفائها تفرض نفسها بقوة على الداخل اللبناني عامة وحزب الله خاصة، علماً أنّ السيد حسن نصر الله أكد في يوم القدس أنّ حزب الله لن يخرج من سورية إلا بطلب من حكومتها، بيد أنّ مصادر دبلوماسية تؤكد لـ«البناء» أنّ «الدولة السورية قد تلجأ إلى خطوة كهذه في حال انسحبت الجماعات المسلحة كافة من الجنوب السوري».
في ضوء المعطيات المحيطة بالواقع السوري، صبّ حزب الله اهتمامه الكبير على الانتخابات النيابية حتى أتت نتائجها كما يشتهي. فالسيد نصر الله اعتبر الاستحقاق «نصراً سياسياً ومعنوياً لخيار المقاومة»، من منطلق أنّ «تركيبة المجلس النيابي الجديد تشكل ضمانة وقوة كبيرة لحماية خيار المقاومة».
لا يُخفى على أحد أنّ الإيرانيين رأوا في تحقيق حزب الله وحلفائه السياسيين المكاسب استكمالاً للانتصارات العسكرية على «إسرائيل». وصرّح مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي علي أكبر ولايتي، أنّ «الانتصار وتصويت الشعب اللبناني للائحة المقاومة، ناتج عن تأثير السياسات اللبنانية الراهنة في الحفاظ على الاستقلال ودعم سورية أمام الإرهابيين».
أما وقد بدأت مشاورات تشكيل الحكومة، فإنّ اللافت إصرار حزب الله على ضرورة التأليف بأسرع وقت ممكن، بمعزل عن الخلافات، حتى ولو كانت خلافات استراتيجية أو تفصيلية.
وبينما تربط مصادر في تيار المستقبل لـ«البناء» انهماك حزب الله بالشأن الحكومي بالعقوبات الأميركية والخليجية المفروضة عليه، ترى مصادر حارة حريك في حديث لـ«البناء» أنّ العقوبات الجديدة التي شملت الصف الأول في الحزب لن تخلق أية تداعيات تذكر على قراراته المحلية والخارجية، مع اعتقاد المصادر بأنّ «الإدارة الأميركية تهدف من العقوبات خلق توازن بين القوى الداخلية لا سيما في أعقاب الانتخابات النيابية وما أفرزته من وقائع جديدة صبّت في مصلحة فريق المقاومة».
من المسلّم به، بالنسبة إلى حزب الله، دخول الحكومة بتمثيل وازن وحقائب خدمية. وثمة من يغمز من قناة أنّ الحكومة لن تبصر النور «إلا كما تريد حارة حريك». وتشير المعلومات إلى أنّ الحزب، بمعزل عن حصته الشيعية، يبدي رغبة بتوزير بعض الأسماء الحليفة المسيحية (الوزير السابق جان لوي قرداحي) والسنية وقد طرح هذا الأمر مع الرئيس المكلف سعد الحريري.
شكل الرقم الذي حققه حزب الله وحلفاؤه في الانتخابات النيابية محط تصريح قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني باعتباره أنّ استحقاق 6 أيار مثل انتصاراً كبيراً لـ«حزب الله» الذي تحوّل من حزب مقاوم إلی حكومة مقاومة، بإشارته الى أنّ الحزب فاز للمرّة الأولى بـ74 مقعداً في البرلمان من أصل 128 مقعدًا، وأنّ هذه النتيجة جاءت في الوقت الذي يتّهم فيه الجميع هذا الحزب بالتدخّل في شؤون سورية ولبنان والعراق واليمن والمنطقة.
إنّ تطرّق سليماني الى هذا المستوى من التفصيل اللبناني، وتقصّده تسريب مقطع الفيديو المعني بحزب الله، هدفه تثبيت تداخل المعركة على مستوى المنطقة بين المفاعيل الميدانية الاستراتيجية وبين التثمير السياسي للانتصارات، تقول مصادر مقرّبة من حزب الله لـ«البناء». فالنقطة الجوهرية في كلام الجنرال الإيراني تكمن في أنّ هذه المقاومات التي انتصرت لم تعبّر فقط عن قوة عسكرية بل عن تكاملها مع إرادة شعبية وفعل سياسي.
لقد اتسم الكلام «السليماني» بالصحة والدقة، تقول مصادر مطلعة على الموقف الإيراني لـ«البناء» ويشكل اهتماماً إيرانياً بارزاً بالأوضاع اللبنانية، فهو يعبّر عن مدى دراية طهران بالواقع اللبناني على حقيقته لا بناء على معلومات مغلوطة.
وعليه، فلا يخفى أنّ قائد «فيلق القدس» أراد التشديد، بحسب المصادر عينها، على أهمية موقع حزب الله ومنطقه في عملية تشكيل الحكومة لجهة توزيع الحصص، في وجه المحاولات الأميركية والضغوط المتواصلة، وهذا إقرار لا لبس فيه بما أفرزته صناديق الاقتراع من انتصار خيار استراتيجي على حساب آخر لأنه ستتمّ ترجمته وزارياً.